مدونة قلم العدالة تهدف إلى نشر الوعي القانوني وتبسيط المعلومات القانونية للجميع.

دعوى الاستحقاق فى القانون المصرى

سوف نقوم بالتعرض الى دعوى الاستحقاق في القانون المصرى  من خلال هذا البحث, والذى قام بالتعرض اليه بالشرح الفقيه العلامة السنهورى باشا في المجلد الثامن الخاص بحق الملكية .

وسوف يكون هذا البحث مقتطف من هذه الموسوعة لأهميته والاطلاع عليه من قبل القانونيين للاستفادة من علم هذا الفقه العلامة في القانون المدنى .

يمكنكم تحميل البحث من خلال الرابط التالى

كما يمكنكم قراءة البحث على المدونة للقراءة والاستفادة والاطلاع

دعوى الاستحقاق

سوف نقوم بالتعرض الى دعوى الاستحقاق في القانون المصرى  من خلال هذا البحث, والذى قام بالتعرض اليه بالشرح الفقيه العلامة السنهورى في المجلد الثامن الخاص بحق الملكية .

وسوف يكون هذا البحث مقتطف من هذه الموسوعة لأهميته والاطلاع عليه من قبل القانونيين للاستفادة من علم هذا الفقه العلامة في القانون المدنى .

  تقترن بحق الملكية دعوى تحميه ، وهذه هى دعوى الاستحقاق .

366 – دعوى الاستحقاق بوجه عام ومسألة الإثبات :

 نلقى نظرة عامة على دعوى الاستحقاق ، ولما كان أبرز مسألة فى هذه الدعوى هى مسألة إثبات الملكية فنفرد هذه المسألة ببحث خاص .

1 – دعوى الاستحقاق بوجه عام

367 – محل دعوى الاستحقاق :

 دعوى الاستحقاق هى التى يكون محلها المطالبة بملكية الشيء ، عقارا كان أو منقولا . فهى إذن الدعوى التى تقوم لحماية الملكية ، وكل مالك يطالب بملكه تحت يد الغير يستطيع رفع هذه الدعوى على الغير )  وقد يطالب الشخص بإثبات ملكيته للشيء ، لا فى دعوى الاستحقاق فحسب ، بل فى أحوال أخرى ، كما إذا اصاب  الشيء تلف وعند ذلك يكلف من يطلب التعويض بإثبات ملكيته لهذا الشيء ، وكما إذا نزعت ملكية عقار للمنفعة العامة فيكلف من يدعى ملكية هذا العقار ليتقاضى التعويض عنه بإثبات ملكيته لهذا الشئ )

دعوى الاستحقاق تطلق على الدعوى العينية فقط

وهى لا تطلق إلا على الدعوى العينية التى يطالب فيها بالملك . فهى إذن لا تطلق على الدعاوى الشخصية التى يطلب فيها المدعى رد الشيء إليه .

مثال :  فالمؤجر إذا رفع دعوى على المستأجر برد العين المؤجرة ، والمعير إذا رفع دعوى على المستعير برد الشيء المعار ، والمودع إذا رفع دعوى على المودع عنده برد الشيء المودع ، والمشترى إذا رفع دعوى على البائع بتسليم الشيء المبيع ، والراهن حيازة إذا رفع دعوى على الدائن المرتهن برد العين المرهونة ، كل هؤلاء لا يرفعون دعاوى استحقاق ، وإنما يرفعون دعاوى شخصية قائمة على التزامات نشأت من عقود الإيجار والعارية والوديعة والبيع ورهن الحيازة . فليسوا إذن فى حاجة إلى إثبات الملكية ، بل كل ما يطلب منهم هو إثبات العقد الذى أنشأ التزاما برد الشيء.

) كذلك دعوى فسخ البيع واسترداد المبيع ، أو دعوى الرجوع فى الهبة واسترداد الشيء . الموهوب ، ليست بدعوى استحقاق ، لأنها دعوى شخصية لا دعوى عينية ، وكل من المشترى والموهوب له يرد الشيء ، بعد فسخ البيع أو الرجوع فى الهبة ، بناء على التزام شخصى فى ذمته هو رد غير المستحق .

الفرق بين دعوى الاستحقاق ودعوى الاسترداد

وهناك فروق بين دعوى الاستحقاق ودعاوى الاسترداد ، منها :

 ( أ ) دعوى الاستحقاق ترفع ضد حائز الشيء ، أما دعاوى الاسترداد فترفع ضد مدين بالذات .

 ( ب ) دعوى الاستحقاق لا يكون محلها إلا شيئا ماديا معينا بالذات ، أما دعاوى الاسترداد فيمكن أن يكون لها نقودا أو شيئا غير معين بالذات .

 ( جـ ) يطلب فى دعوى الاستحقاق إثبات الملكية ، أما فى دعاوى الاسترداد فيطلب إثبات مصدر الالتزام بالرد ..

لا تطلق دعوى الاستحقاق على الحالات الاتية

 ولا تطلق دعوى الاستحقاق على الدعوى العينية التى يطالب فيها المدعى برد الحيازة لا الملك ، فهذه الدعوى الأخيرة هى دعوى حيازة لا دعوى استحقاق . ولا تطلق دعوى الاستحقاق على الدعوى العينية التى يطالب فيها المدعى بحق عينى آخر غير حق الملكية ، كحق انتفاع أو حق ارتفاق ، فهذه الدعوى الأخيرة هى دعوى الإقرار ، بحق عينى ، وإذا رفعها المالك على من يتمسك بحق عينى على ملكه تكون دعوى الإنكار لحق عينى وهى فى  الحالتين ليست بدعوى استحقاق لأن محل الدعوى هو حق عينى آخر غير الملكية .

   فدعوى الاستحقاق إذن هى ، كما قدمنا ، الدعوى العينية التى يطالب فيها المدعى بالملكية .

368 – طرفا الدعوى :

 المدعى فى دعوى الاستحقاق هو من يطالب بملكية الشيء ، والمدعى عليه يكون عادة هو الحائز لهذا الشيء () فإذا كان الحائز للشيء لم يستوف شروط الحيازة ، وبخاصة إذا كان يحوز الشيء بالنيابة عن غيره كالمستأجر والمستعير والمودع عنده والمرتهن رهن حيازة ، جاز له ، كما جاز للمدعى ، أن يدخل الحائز ( المؤجر أو المعير أو المودع أو الراهن رهن حيازة ) خصما ثالثا فى دعوى الاستحقاق . وللحائز حيازة عارضة عند ذلك أن يطلب إخراجه من الدعوى .

مدى ضرورية ان يكون الحائز حسن النية

وليس من الضرورى أن يكون الحائز حسن النية ليكون مدعى عليه فى دعوى الاستحقاق ، فالحائز سيء النية يكون أيضاً مدعى عليه وإن كانت الحيازة بسوء نية لا تقوم فى هذه الحالة قرينة على الملكية . وترى أن الحيازة ، حتى تكون قرينة على الملكية ، يجب أن تكون بحسن نية ، ويستوى أن تكون الحيازة بحسن نية أو بسوء نية ليكون الحائز هو المدعى عليه فى دعوى الاستحقاق .

 ولكن من الناحية العملية يفرض فى الحائز ، بادئ ذى بدء ، أنه حسن النية ، فإذا أقام المدعى دعوى الاستحقاق وأثبت الملكية ، كان له أن يثبت أيضاً أن الحائز كان فى حيازته سيء النية . وهذا الوضع المألوف يرجع إلى أن المالك لا يطالب عادة بملكية شيء هو فى حيازته وتحت يده ، وإنما يطالب بملكيته عندما يخرج من حيازته وتحت يد ، وإنما يطالب بملكيته عندما يخرج من حيازته إلى حيازة شخص آخر ، فعندئذ يرفع على الحائز دعوى الاستحقاق مطالبا بالملكية ورد الشيء إليه .

وقد كان فى المشروع التمهيدى للتقنين المدنى نص صريح بهذا المعنى يقضى بأن ” لمالك الشيء أن يسترده ممن يكون قد حازه أو أحرزه دون حق … ” ، فحذف هذا النص فى لجنة المراجعة ” اكتفاء بالقواعد العامة “.

هل يجوز ان يكون المدعى هو نفسه الحائز للشئ :

ويصح ، فى بعض الأحوال ، أن يكون المدعى هو نفسه الحائز للشيء ، ويرفع دعوى منع التعرض فى الملكية على من يتعرض له فيها .

ولكن المألوف فى هذا الفرض ، إذا كانت حيازة المدعى للشيء قد توافرت فيها شرائط الحيازة ، أن يقتصر على التمسك بالحيازة ، فلا يرفع دعوى منع التعرض فى الملكية بل دعوى منع التعرض فى الحيازة .

ومع ذلك قد يضطر إلى رفع دعوى منع  التعرض فى الملكية إذا لم تكن حيازته قد استوفت شرائطها أو لم تستكمل مدتها طبقاً للقواعد المقررة فى دعاوى الحيازة ، أو انقضت المدة التى يجوز فى خلالها رفع دعوى الحيازة .

 وقد يلجأ الحائز أيضاً ، وإن كان هذا نادرا ، إلى دعوى منع التعرض فى الملكية مع إمكانه رفع دعوى الحيازة ، إذا رغب أن يتعجل حسم النزاع بشأن الملكية مع من يتعرض له فيها ، إما لأن أدلة الملكية متوافرة تحت يده حالا ويخشى نم فقدها أو فقد بعضها فيما إذا اكتفى برفع دعوى الحيازة ، أو لأى سبب آخر يرى معه الخير فى التعجيل ومجابهة دعوى الملكية على الفور .

ولكن المألوف كما قدمنا هو غير ذلك ، فدعوى الحيازة ، إذا توافرت شرائطها ومددها ، أيسر بكثير من دعوى الملكية ، فتكون عادة هى المقدمة الطبيعية لدعوى الملكية .

ويكتفى الحائز برفع دعوى منع التعرض فى الحيازة أو دعوى استرداد الحيازة ، حتى إذا استقرت الحيازة فى يده أحرز الشيء وانتفع به انتفاع المالك .

وتربص بعد ذلك حتى إذا رأى من ينازعه فى الملكية وقد رفع دعوى الاستحقاق عليه ، كان –وهو الحائز للشيء – المدعى عليه فى دعوى الاستحقاق ، فلا يكلف بإثبات ملكيته , وإذا انتزعت الحيازة من الحائز ، ولم يستردها فى الميعاد القانونى ، لم يستطع أن يتمسك بهذه الحيازة السابقة لإعفائه من عبء إثبات الملكية. والذى يقع عليه عبء الإثبات هو المدعى ويكلف المدعى بإثبات ملكيته هو ، لا بإثبات عدم ملكية المدعى عليه .

فإذا عجز المدعى عليه عن إثبات ملكيته ، لم يكن هذا سببا فى الحكم بالملكية لمدعى ما دام هذا لم يثبت ملكيته ، وقد قضت محكمة النقض بأن الخطأ أن تغفل المحكمة بحث سند ملكية المدعى ، فإن ثبتت له حق له طلب إبطال التصرف الحاصل من المدعى عليه ، أما مجرد عدم ثبوت ملكية المدعى عليه فلا يقتضى ثبوتها للمدعى ولا أحقيته فيما طلبه ( نقض مدنى 5 يناير سنة 1939 مجموعة المكتب الفنى فى خمسة وعشرين عاما 2 ص 993 ) . وقضت أيضاً بأنه إذا كان الحكم قد قضى برفض دعوى المدعى بتثبيت ملكيته للأرض محل النزاع تأسيسا على أن هذه الأرض لا تدخل فى مستندات تمليكه ولا هو تملكها بوضع اليد ، وكان هذا القضاء مقاما على أسباب مؤدية إليه ، فلا يجدى المدعى ما ينعاه على هذا الحكم فى خصوص تحدثه عن ملكية المدعى عليه ( نقض مدنى 25 ديسمبر سنة 1947 مجموعة المكتب الفنى فى خمسة وعشرين عاما 2 ص 993 ) .

 وقضت أيضاً بأن تقرير الحكم أن المدعى عليه لم يكسب ملكية الأطيان التى يطلب المدعيان ثبوت ملكيتهما لها بأى سبب من أسباب كسب الملك لا يفيد بذاته وبطريق اللزوم ثبوت ملكيتها للمدعيين . كذلك لا يكفى أن يقرر الحكم أن مستندات هذين الأخيرين تشمل الأطيان المتنازع عليها ، وأنها من ذلك تكون ملكا لهما ، من غير بيان هذه المستندات وكيفية إفادتها هذه الملكية .

 وإذن فمتى كان الحكم إذ قضى بثبوت ملكية المدعيين للأطيان قد أقام قضاءه على أن المدعى عليه لم يكسب ملكية هذه الأطيان بأى من عقدى شرائه أو بوضع اليد المدة الطويلة أو القصيرة ، كذلك لم يبين الحكم كيف آلت الأطيان إلى المدعيين من آخر كان قد اشتراها فى حين أنهما ليسا من ورثته ، ولم يتحدث عن عقد القسمة المبرم بين هذا المشترى وإخوته ، ولا عن كيفية إفادته ملكية المدعيين –متى كان الحكم قد أقام قضاءه على ذلك فإنه يكون قاصراً مستوجب النقض ( نقض مدنى 15 فبراير سنة 1951 مجموعة المكتب الفنى فى خمسة وعشرين عاما 2 ص 993 ) –وأنظر أيضاً نقض مدنى 14 يونيه سنة 1945 مجموعة المكتب الفنى فى خمسة وعشرين عاما 1 ص 28 – ف مارس سنة 1952 مجموعة المكتب الفنى فى خمسة وعشرين عاما 1 ص 28 . ) .

وما دام المألوف هو أن يكون الحائز للشيء هو المدعى عليه فى دعوى الاستحقاق ، فقد يرفع المطالب بالملكية هذه الدعوى على الحائز () حتى لو كان الحائز يجوز لحساب غيره ، إذ عليه فى هذه الحالة أن يعلن اسم هذا الغير حتى يدخله المدعى خصما فى الدعوى ، فيعمد بعد إعلانه بالدعوى ، إلى التخلى عن الحيازة ، أو يتخلى عنها قبل الإعلان وهو سيء النية أى يعلم أن الإعلان بالدعوى وشيك الوصول إليه . ويكون غرض الحائز من تخليه عن الحيازة أن يربك المدعى ، وأن يدفع دعوى الاستحقاق بانعدام صفته كمدعى عليه فى هذه الدعوى إذ أنه لا يجوز الشيء المدعى بملكيته . فإذا أثبت المدعى أن المدعى عليه كان يحوز الشيء ، وأنه تخلى عن الحيازة بعد الإعلان أو قبل الإعلان وهو سيء النية ، حكم القاضى على المدعى عليه بإلزامه أن يستعيد الشيء على نفقته ليرده إلى المدعى إن كان له محل . وإذا استطاع المالك بعد ذلك أن يكشف عن الحائز الجديد للشيء المدعى بملكيته ، جاز له أن يرفع عليه دعوى الاستحقاق .

فإذا ما أثبت ملكيته تجاه الحائز الجديد واسترد الشيء ، كان عليه أن يرد للحائز الأول ما عسى أن يكون قد استوفاه منه مقابل الشيء ، بعد استنزال ما يكون قد طرأ على الشيء من نقص فى قيمته ، واستنزال التعويض الذى يستحقه عن الضرر الذى أصابه من حرمانه الانتفاع بالشيء() ومن ذلك أن يمتنع على المالك أن يسترد الثمار من حائز جديد حسن النية.

وليس فى كل ذلك إلا تطبيق للقواعد العامة ، وقد كان المشروع التمهيدى للتقنين المدنى يتضمن نصا يورد هذا الأحكام ، فكانت المادة 1167 من هذا المشروع تجرى على الوجه الآتى : ” 1 – يجوز أن ترفع دعوى الاستحقاق على من تخلى من تلقاء نفسه عن حيازته للشيء وكان ذلك بعد إعلانه بالدعوى ، وعلى من تخلى قبل الإعلان إذا كان سيء النية . 2 – وعند ذلك يكون المدعى عليه فى دعوى الاستحقاق ملزما أن يستعيد الشيء على نفقته ليرده إلى المالك ، فإذا لم يستطع فعليه أن يوفيه قيمته مع التعويض إذا كان له محل . 3 – على أنه يجوز للمالك أن يسترد الشيء من الحائز الجديد . فإذا ما استرده كان ملزما أن يرد إلى الحائز الأول ما عسى أن يكون قد استوفاه منه مقابل الشيء ، بعد استنزال ما يكون قد طرأ على الشيء من نقص فى قيمته ” . وقد حذف هذا النص فى لجنة المراجعة ” اكتفاء بالقواعد العامة ” () مجموعة الأعمال التحضيرية 6 ص 22 – ص 23 – وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى خصوص هذا النص : ” والأصل فى دعوى الاستحقاق أن ترفع على الحائز ، فهو المدعى عليه دائما فى هذه الدعوى . على أنه قد يتحايل فيتخلى عن الحيازة ، سواء كان ذلك بعد إعلانه بدعوى الاستحقاق أو قبل إعلانه ، فلا يجوز له فى هذه الحالة أن يدفع الدعوى بأنه غير ذى صفة فيها لتخليه عن الحيازة ، بل يبقى مدعى عليه .

 وفى هذا توسع فى دعوى الاستحقاق ، نقل عن المشروع الإيطالى ( م 21 / 2 و 3 و 4 ) . على أن الدعوى فى هذا الفرض تكون أقرب إلى الدعوى الشخصية منها إلى الدعوى العينية . فإن المتخلى ن الحيازة يحكم بإلزامه أن يستعيد الشيء على نفقته ليرده إلى المالك فى ميعاد يحدده الحكم ، وإلا ألزم بدفع مبلغ يحدده الحكم أيضاً على سبيل التعويض . وظاهر أن هذا التزام مبنى على العمل غير المشروع الذى أتى به المتخلى عن الحيازة . وقد يتفق أن المالك بعد أن يستوفى التعويض يعرف الحائز ، فيرفع عليه دعوى الاستحقاق ويسترد منه ملكه ، وعليه فى هذه الحالة أن يرد للمتخلى عن الحيازة ما استوفاه من التعويض بعد استنزال ما يكون قد طرأ على الشيء من نقص فى قيمته ، وبعد استنزال التعويض الذى يستحقه عن الضرر الذى أصابه من حرمانه الانتفاع بالشيء . على أنه لا يوجد ما يمنع المتخلى من الحيازة ، إذا رفعت عليه دعوى الاستحقاق على الوجه الذى تقدم ، أن يدخل الحائز خصما ثالثا فى الدعوى ( مجموعة الأعمال التحضيرية 6 ص 24 – ص 25 .

369 – دعوى الاستحقاق المنقولة – إحالة :

فإذا كان الشيء المدعى ملكيته منقولا ، ورفع المدعى دعوى الاستحقاق على حائز المنقول ، فإن الحائز يستطيع دفع هذه الدعوى بالقاعدة التى تقضى بأن الحيازة فى المنقول سند الملكية . فترفض دعوى المدعى حتى لو أثبت ملكيته للمنقول ، فإن الحيازة تكون فى هذه الحالة قد نقلت الملكية إلى المدعى عليه . والمفروض فى ذلك أن يكون الحائز حسن النية وقد تلقى المنقول من غير المدعى ، فيكون قد تعامل من غير المالك ، فتنقل الحيازة إليه ملكية المنقول . أما إذا كان الحائز قد تلقى المنقول من المدعى نفسه ، فإن قاعدة الحيازة لا مجال لها هنا ، والمدعى لا يرفع فى هذا الفرض دعوى الاستحقاق على الحائز ، بل يقتصر على الطعن فى السبب الذى تلقى به الحائز المنقول منه ، فيتمسك مثلا بأنه سبب ناقل للملكية ولكنه معيب بما يجعله معدوم الأثر .

فدعوى الاستحقاق فى المنقول لا ترفع إذن إلا فى المنطقة التى تعمل فيها قاعدة الحيازة ، وعندئذ تحسم الحيازة النزاع فى الملكية ، فإنها إذا استوفت شرائطها وكانت مصحوبة بالسبب الصحيح وحسن النية نقلت ملكية المنقول إلى الحائز ، وانحسم النزاع فى دعوى الاستحقاق( أما إذا لم تستوف قاعدة الحيازة شرائطها ، بأن لم يكن هناك مثلا سبب صحيح أو كان الحائز سيء النية ، فإن الحيازة لا تنقل الملكية إلى المدعى عليه . ويجوز إذن للمدعى فى دعوى استحقاق المنقول أن يثبت ملكيته للمنقول ، ولو بحيازة سابقة مقرونة بحسن نية وسبب صحيح ، فيسترد المنقول من الحائز.

وعلى ذلك ترفع دعوى الاستحقاق فى المنقول إذا كان الحائز سيء النية ، فعندئذ يستطيع المالك أن يسترد المنقول من الحائز ما لم يكن هذا الأخير قد تملكه بالتقادم المكسب بمضى خمس عشرة سنة . كذلك يمكن أن ترفع دعوى استحقاق المنقول على الحائز حسن النية إذا كان المنقول مسروقا أو ضائعا ، فعندئذ يكون للمالك رفع دعوى الاستحقاق فى خلال ثلاث سنوات من وقت السرقة أو الضياع . ولا تعتبر مدة ثلاث السنوات مدة تقادم مسقط ، بل هى مدة إسقاط تشل فى خلالها قاعدة الحيازة حتى يتسنى للمالك العثور على الشيء الضائع أو الكشف عن الشيء المسروق ) .

ونقتصر هنا على الكلام فى دعوى استحقاق العقار ، وإذا أطلقنا عبارة ” دعوى الاستحقاق ” قصدنا بها دعوى الاستحقاق العقارية .

370 – دعاوى الملكية ودعاوى الحيازة :

 تحمى الحيازة دعاوى ثلاث تسمى بدعاوى الحيازة ، وهى دعوى استرداد الحيازة إذا فقدنا الحائز ، ودعوى منع التعرض إذا بقيت الحيازة للحائز ولكن تعرض له فيها أحد ، ودعوى وقف الأعمال الجديدة إذا هدد الحائز فى حيازته بأعمال لو تمت كانت تعرضا لهذه الحيازة .

ويقابل دعاوى الحيازة الثلاث هذه دعاوى ملكية  ثلاث ، مهمتها حماية الملكية لا الحيازة ، فيقابل دعوى استرداد الحيازة دعوى استرداد الملكية وهذه هى دعوى الاستحقاق ، ويقابل دعوى منع التعرض فى الحيازة دعوى منع التعرض فى الملكية ، ويقابل دعوى وقف الأعمال الجديدة فى الحيازة دعوى وقف الأعمال الجديد فى الملكية .

ولما كانت دعاوى الحيازة لا تقتضى إلا أن يثبت المدعى حيازته مستوفية لشرائطها ، أما دعاوى الملكية فتقتضى أن يثبت المدى ملكيته للشيء وهو إثبات أشد مشقة بكثير من إثبات مجرد الحيازة ، لذلك يلجأ المالك عادة إلى دعاوى الحيازة ليحمى بها حيازته . ولا يتكلف مشقة الإثبات بعد ذلك كما قدمنا ، بل على من يدعى الملكية أن يرفع دعوى الاستحقاق على الحائز ، ويتحمل هو دون الحائز عبء إثبات الملكية ، وهو عبء شاق كما سبق القول . ومن ثم حلت دعاوى الحيازة فى العمل محل دعاوى الملكية ، وأغنت عنها فى كثير من الأحوال .

وقد كان المشروع التمهيدى للتقنين المدنى يتضمن نصا يعدد دعاوى الملكية ، فكانت المادة 1165 من هذا المشروع تنص على أن ” لمالك الشيء أن يسترده ممن يكون قد حازه أو أحرزه دون حق ، وأن يطالب من تعرض له فيه بالكف عن التعرض ، وإذا خشى تعرضا كان له أن يطالب بمنع وقوعه ” () مجموعة الأعمال التحضيرية 6 ص 22 ) .

 وجاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد : ” والوسيلة الثانية لحماية حق الملكية هى دعاوى الملكية التى وضعت على غرار دعاوى الحيازة ، ولكن هذه أكثر استعمالا لسهولتها . فللمالك أن يسترد ملكه من أى يد كانت وهذا ما يسمى بدعوى الاستحقاق ، وله أن يطلب منع تعرض الغير لملكه ، وإيقاف كل عمل لو تم لكان تعرضا . ولكنه فى هذه انتشارا هى دعوى الاستحقاق . والأصل فى دعوى الاستحقاق أن ترفع على الحائز ، فهو المدعى عليه فى هذه الدعوى ” (مجموعة الأعمال التحضيرية 6 ص 24 . ) . هذا وقد حذف نص المادة 1165 من المشروع التمهيدى سالف الذكر فى لجنة المراجعة ” اكتفاء بالقواعد العامة ” (مجموعة الأعمال التحضيرية 6 ص 23 . ) .

371 – عدم سقوط دعوى الاستحقاق بالتقادم – إحالة :

ترفع دعوى الاستحقاق فى أى وقت يرى من يدعى ملكية الشيء رفعها فيه ، فليس لها أجل محدد تزول بانقضائه . وإذا كانت الحقوق العينية الأخرى تزول بعدم الاستعمال مدة معينة ، وكانت الحقوق الشخصية تزول هى أيضاً بالتقادم المسقط ، فإن حق الملكية ، دون غيره من الحقوق . لا يزول بعدم الاستعمال . ومن ثم لا تسقط دعوى الاستحقاق بالتقادم . ويستوى فى ذلك العقار والمنقول ، فدعوى الاستحقاق فى كل منهما لا تسقط بالتقادم () وذلك صحيح فى مصر ، وكذلك فى فرنسا بالرغم من أن المادة 2262 منى فرنسى تقضى بأن كل الدعاوى ، عينية كانت أو شخصية ، تسقط بالتقادم بمضى ثلاثين سنة . وذلك راجع إلى أن حق الملكية حق دائم فلا يسقط بالتقادم   .

ومهما طالت المدة التى يخرج فيها الشيء من حيازة مالكه ، فإنه لا يفقد ملكيته بعدم الاستعمال ، ويستطيع أن يرفع دعوى الاستحقاق بعد خمس عشرة سنة أو ثلاثين أو أربعين أو أكثر . ولكن إذا كان الشيء الذى خرج من حيازته دخل فى حيازة شخص آخر . واستطاع هذا الشخص الآخر بموجب هذه الحيازة أن يكسب ملكية الشيء بالتقادم . فإن المالك الأصلى تزول عنه الملكية ولا يستطيع أن يرفع دعوى الاستحقاق على الحائز الذى ملك بالتقادم . ويرجع ذلك ، لا لأن المالك الأصلى قد فقد ملكيته بعدم الاستعمال أو سقطت  دعواه فى الاستحقاق بالتقادم المسقط ، ولكن لأن هناك شخصا آخر قد حاز الشيء وكسب ملكيته بالتقادم المكسب  .

372 – ما يستتبع الحكم بالاستحقاق من حقوق فى الرد :

 فإذا حكم للمدعى فى دعوى الاستحقاق باستحقاقه للعقار المدعى بملكيته ، فإنه يحكم فى الوقت ذاته على المدعى عليه الحائز للعقار بإلزامه بتسليم العقار إلى المدعى – وقد يكون المدعى عليه هذا قد اشترى العقار من غير مالك ودفع له الثمن ، فلا يرجع بالثمن على المدعى الذى استحق العقار لأن هذا لم يكن طرفا فى عقد البيع ، وليس ملتزما بالضمان وذلك حتى لو كان المدعى عليه قد اشترى العقار فى المزاد العلنى تنفيذا لدين . وإنما يرجع المدعى عليه بالثمن وبضمان الاستحقاق على البائع الذى اشترى منه العقار ، وفقاً لما تقضى به القواعد العامة فى ضمان المبيع () لكن إذا كان المدعى عليه قد استعمل جزءا من الثمن فى سداد تكاليف عينية كانت تثقل العقار ، فإنه يرجع بذلك على المدعى الذى استفاد من زوال هذه التكاليف .

ويفتح الحكم باستحقاق المدعى للعقار أبوابا لرجوع المالك على حائز العقار ، ولرجوع حائز العقار على المالك . فهناك من جهة الثمار والمنتجات وهلاك الشيء أو تلفه ، وقد يستوجب ذلك رجوع المالك على حائز العقار .

 وهناك من جهة أخرى المصروفات التى قد يكون حائز العقار أنفقها والمنشآت التى قد يكون قد أقامها ، وهذه تستوجب رجوع الحائز على المالك . وقد أورد التقنين المدنى أحكام كل ذلك فى مواضع مختلفة ، أهمها المكان الذى أورد فيه أحكام الحيازة والمكان الذى أورد فيه أحكام الالتصاق ، وسنبحث كل مسألة منها فى المكان الذى خصصه لها التقنين المدنى .

ونكتفى هنا بإيراد بعض النصوص التى عرضت لهذه المسائل ، ففيما يتعلق بالثمار تقتضى المادة 978 / 1 مدنى بأن ” يكسب الحائز ما يقبضه من ثمار ما دام  حسن النية ” ، وتقضى المادة 979 مدنى بأن ” يكون الحائز سيء النية مسئولا من وقت أن يصبح سيء النية عن جميع الثمار التى يقبضها والتى تصر فى قبضها ، غير أنه يجوز أن يسترد ما أنفقه فى إنتاج هذه الثمار ” .

 أما المنتجات ، وهى غير الثمار الدورية المتجددة ، فهذه يردها الحائز جميعا –هى أو قيمتها – للمالك . وفيما يتعلق بالهلاك أو التلف نصت المادة 983 مدنى على أنه ” ذ – إذا كان الحائز حسن النية وانتفع بالشيء وفقا لما يحسبه من حقه ، فلا يكون مسئولا قبل من هو ملزم برد الشيء إليه من أى تعويض بسبب هذا الانتفاع . 2 – ولا يكون الحائز مسئولا عما يصيب الشيء من هلاك أو تلف ، إلا بقدر ما عاد عليه من فائدة ترتبت على هذا الهلاك أو التلف ” . ونصت المادة 984 مدنى على أنه ” إذا كان الحائز سيء النية ، فإنه يكون مسئولا عن هلاك الشيء أو تلفه ، ولو كان ذلك ناشئا عن حادث مفاجئ ، إلا إذا ثبت أن الشيء كان يهلك أو يتلف ولو كان باقيا فى يد من يستحقه ” .

وفيما يتعلق بالمصروفات قضت المادة 980 مدنى بأنه : ” 1 – على المالك الذى يرد إليه ملكه أن يؤدى إلى الحائز جميع ما أنفقه من المصروفات الضرورية . 2 – أما المصروفات النافعة فيسرى فى شأنها أحكام المادتين 924 و 925 ( الخاصتين بالالتصاق ) . 3 – فإذا كانت المصروفات كمالية فليس للحائز أن يطالب بشيء منها ، ومع ذلك يجوز له أن ينزع ما استحدثه من منشآت على أن يعيد الشيء إلى حالته الأولى ، إلا إذا اختار المالك أن يستبقها مقابل دفع قيمتها مستحقة الإزالة ” . وفيما يتعلق بالمنشآت فإنها تصبح ملكا للمالك بحكم الالتصاق ، ويعوض المالك من أقام المنشآت طبقا للقواعد المنصوص عليها فى المواد 923 – 930 مدنى ، وسيأتى تفصيل أحكامها عند الكلام فى الالتصاق كسبب من أسباب كسب الملكية .

373 – إثبات الملكية فى دعوى الاستحقاق :

 أشق مسألة فى دعوى الاستحقاق هى مسألة إثبات الملكية ، ويقع عبء الإثبات على عاتق المدعى () فإذا لم يقم المدعى بإثبات ملكيته رفضت دعواه ، وليس على المحكمة أن تبحث فى ملكية المدعى عليه . وقد قضت محكمة النقض بأنه بحسب المحكمة لرفض دعوى الملكية أن تستند فى ذلك إلى عجز المدعى عن إثبات دعواه ، دون أن تكون بحاجة إلى بيان أساس ملكية المدعى عليه . ومن ثم فإن النعى على خطأ الحكم المطعون فيه فيما استطرد إليه تزيداً فى شأن التدليل على ملكية المدعى عليه فى دعوى الملكية يكون غير منتج ( نقض مدنى 14 مايو سنة 1964 مجموعة أحكام النقض 15 رقم 108 ص 685 ) – وأنظر آنفاً ص 594 هامش 3 )  .

ووجه المشقة فى هذه المسألة هو أن الملكية حق شامل جامع مانع كما سبق القول ، وهو نافذ تجاه الناس كافة . ولا يعرف القانون سندا يثبت الملكية إثباتا مباشراً حاسما على هذا النحو ، إلا عن طريق السجل العينى ، فمجرد تسجيل العقار باسم شخص معين فى هذا السجل دليل قاطع على ملكية هذا الشخص للعقار بالنسبة إلى الكافة .

وما دام السجل العينى لم يعمم فى مصر حتى الآن ، فإنه لا يتوافر فى الوقت الحاضر هذا الدليل المباشر الحاسم على الملكية . فلابد إذن من الالتجاء إلى طرق غير مباشرة وإلى القرائن فى إثبات الملكية ، كما هو الأمر فى فرنسا التى لم يوجد فيها السجل العينى حتى اليوم . وقد لجأ القضاء ، وسار على أثره الفقه ، فى فرنسا وفى مصر ، إلى سلسلة من القرائن والاحتمالات ليست هى فى ذاتها دليلا مباشراً حاسما على الملكية ، ولكنها على كل حال توحى ، بقدر من ما يستطاع فى الظروف الخاصة لكل قضية ، بأن الخصم الذى قدم هذه القرائن يغلب أن يكون هو المالك ، أو فى القليل يكون قد قدم احتمالات أرجح وقرائن أقوى من الاحتمالات والقرائن التى قدمها خصمه .

وننتقل الآن إلى طرق الإثبات التى أقرها القضاء والفقه فى إثبات حق الملكية ، وقد كان للفقيهين المعروفين أوبرى ورو الفضل الأول فى دعم هذه الطرق فى الفقه وفى توجيه القضاء فى تنظيمها وترتيبها بحسب قوتها والمفاضلة فيما بينها.

2 – طرق إثبات الملكية فى دعوى الاستحقاق

374 – طرق إثبات دلالتها يقينية : قدمنا أن إثبات الملكية على وجه  حاسم قاطع عن طريق سند تمليك يثبتها بطريق مباشر أمر متعذر . ولبيان ذلك نفرض أن المدعى فى دعوى الاستحقاق قدم عقد شراء سنداً لملكيته ، فذلك لا يكفى ، إذ يجب أن يثبت أيضاً أنه اشترى من مالك حتى تكون الملكية قد انتقلت إليه . فإذا هو قدم سند ملكية البائع له ، وهو أيضاً عقد شراء صادر له من سلفه ، فذلك لا يكفى ، إذ يجب أن يثبت أن البائع لبائعه كان مالكا وقت أن باع للبائع . ثم إن عقد الشراء الصادر لبائع البائع لا يكفى هو أيضاً ، إذ يجب أن يثبت أن البائع لبائع البائع كان مالكا وقت أن باع . وهكذا تتسلسل سندات التمليك إلى ما لا نهاية ، ويكون الدليل الذى يطالب به المدعى أمراً متعذرا ، بل هو كما يقال دليل شيطانى  . ومن ثم يتبين فى وضوح أنه لا يمكن السير فى هذا الطريق .

والذى يمكن الوقوف عنده ، طريقا لإثبات الملكية ذا دلالة يقينية ، طرق ثلاثة :

( الطريق الأول ) السجل العينى :

فمهمة هذا السجل أن يجعل تسجيل ملكية العقار ذا دلالة يقينية قاطعة ، وهو حجة على الكافة ، فمتى سجل عقار فيه باسم شخص معين كان هذا الشخص هو المالك ، ما فى ذلك من ريب . ولكن السجل العينى لم يعمم بعد فى مصر ، بل هو لما يبدأ ، فوجب التماس طريق آخر .

( الطريق الثانى ) التقادم المكسب الطويل أو القصير :

 وهذا طريق آخر للإثبات ذو دلالة يقينية قاطعة فى ثبوت الملكية ، فمتى أثبت المدعى أنه حاز العقار ، هو وسلفه من قبله ، مدة خمس عشرة سنة متواليات دون انقطاع وأن حيازته هذه قد استوفت شرائطها ، فقد تملك العقار بالتقادم و كان هذا دليلا قاطعا على ملكيته ، وهو حجة على الكافة ما فى ذلك من ريب() ويجب التثبت ، حتى يستغنى بالتقادم عن أى سبب آخر ، من أن التقادم قد استوفى شرائطه ومدته .

 وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا كان الواقع فى الدعوى أن محكمة الموضوع أسست قضاءها برفض دعوى الطاعن بطلب تثبيت ملكيته للعين موضوع النزاع على ثبوت حيازة المطعون عليه لها دون انقطاع مدة تزيد على 15 سنة وأن هذه الحيازة ثبتت له خاصة منذ شرائه لتلك العين فى سنة 1929 وثبتت أيضاً للبائعة له من سنة 1923 .

 وقد استغنت محكمة الموضوع بثبوت الحيازة للمطعون عليهما الأول والثانية على النحو المتقدم ، وبضم مدة وضع يدها إلى مدة وضع يده ، عن بحث ما يدعيه الطاعن من ملكيته للعين المتنازع فيها بموجب عقوده المسجلة ، بما يتأدى منه أن هذا البحث غير مجد ما دام أن العقود المقدمة من كلا الطرفين ترجع ملكية العين إلى أصلين مختلفين . كما استغنت عن بحث ما ادعاه الطاعن من أن المطعون عليها الثانية شخصية وهمية لا وجود لها ، بمقولة إن هذا البحث أيضاً غير مجد لتعلق النزاع بوضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية . فإن هذا النظر ، الذى تأسس عليه قضاء الحكم المطعون فيه ، يكون مشوبا بالقصور .

 ذلك أن التفات الحكم المطعون فيه عن تحقيق ما تمسك به الطاعن من أن المطعون عليها الثانية شخصية وهمية لا وجود لها كان من نتيجته عدم الاعتداد بما تقدم به الطاعن من مستندات للتدليل على ملكيته ، كما كان من نتيجته القول بتوافر مدة التقادم مع ما هو واضح من ذات الحكم المطعون فيه من أن هذه المدة لا تكون مكتملة إذا ما تبين أن المطعون عليها لم تكن ذات وجود فعلى ، إذ يمتنع فى هذه الحالة إسناد أية حيازة لها ( نقض مدنى 14 يناير سنة 1960 مجموعة أحكام النقض 11 ص 58 ) .

 بل  يستطيع المدعى ، إذا كان حسن النية ومعه سبب صحيح ، أن يتملك العقار بحيازته مدة خمس سنوات متواليات ، ويكون التقادم القصير فى هذه الحالة دليلا قاطعا على الملكية . ولكن التقادم المكسب ، طويلا كان أو قصيراً ، غير متيسر فى أكثر الأحيان ، فمدة الخمس العشرة سنة مدة طويلة ، ومدة الخمس السنوات يجب أن يصحبها السبب الصحيح وحسن النية ، والمدتان قد يقف سريانهما أو ينقطع لأسباب مختلفة ، وعند ذلك لا تحسب مدة الوقف ، بل لا يحسب فى حالة الانقطاع ما سرى من المدة أصلا ويجب ابتداء مدة جديدة .

( الطريق الثالث ) الحيازة إذا استوفت شرائطها ، وبوجه خاص إذا لم تقترن بإكراه ولم تحصل خفية ولم يكن فيها لبس

() وحتى لو كانت الحيازة معيبة ، فإن الحائز يبقى مدعى عليه فى دعوى الاستحقاق ، وعلى المدعى أن يثبت ملكيته فى حالتى الحيازة الصحيحة والحيازة المعيبة ، فلا فرق إذن فى هذه الناحية بين الحيازتين . فعند ذلك تكون الحيازة قرينة قانونية على الملكية ، ولكنها قرينة غير قاطعة ، فهى دليل على الملكية إلى أن يقوم الدليل على العكس .

وهناك نص صريح فى هذا المعنى ، فقد نصت المادة 964 مدنى على أن ” من كان حائزاً للحق اعتبر صاحبه ، حتى يقوم الدليل على العكس ” () وقد جعل التقنين المدنى الحيازة المادية قرينة غير قاطعة على الحيازة القانونية ، فنصت المادة 963 مدنى على أنه ” إذا تنازل أشخاص متعددون على حيازة حق واحد ، اعتبر بصفة مؤقتة أن حائزه هو من له الحيازة المادية ، إلا إذا ظهر أنه قد حصل على هذه الحيازة بطريقة معيبة ” ) . والحيازة على كل حال طريق لإثبات الملكية ذو دلالة يقينية ، إذ هى تفرض فى الحائز أنه المالك ، وتنقل عبء إثبات الملكية من عاتقه إلى عاتق خصمه ، ولولا أنها دليل غير قاطع ، فيجوز للخصم غير الحائز أن يقيم الدليل على أنه ، دون الحائز ، هو المالك () نقض مدنى 2 فبراير سنة 1956 مجموعة أحكام النقض 7 ص 162 ) .

375 – طرق إثبات دلالتها ظنية :

 ويوجد إلى جانب طرق الإثبات ذات الدلالة اليقينية التى قدمناها طرق إثبات ذات دلالة ظنية ، فهى قرائن قضائية تثبت احتمالات راجحة ، ولكنها لا تثبت الملكية على وجه يقينى .

وأول هذه الطرق هو سند التمليك . ويقصد بسند التمليك سند صادر للخصم يفيد ثبوت الملك له ، دون اعتبار لما إذا كان هذا قد صدر من مالك أو من غير مالك . ولذلك تكون دلالة السند ظنية ، ويؤخذ على أنه مجرد قرينة قضائية تفيد احتمالا راجحاً ، ويترك ذلك لتقدير القاضى . ولما كان السند مجرد قرينة قضائية ، فلا يشترط فيه أن يكون مسجلا ، أو أن يكون ناقلا للملكية بل يصح أن يكون كاشفا عن الملكية لا ناقلا لها . فيستطيع الخصم إذن ، كما يتمسك بعقد بيع أو هبة قرينة على ملكيته () استئناف مختلط 13 يناير سنة 1930 م 32 ص 123 ) ، أن يتمسك أيضاً بعقد صلح أو قسمة أو حكم قضائى وكل ذلك كاشف عن الملكية لا ناقل لها– وإذا قدم أحد الخصمين سندا ، جاز للقاضى أن يستخلص من هذا السند قرينة لصالح الخصم الآخر. وإذا تمسك بحكم قضائى ، فليس من الضرورى أن تراعى فيه شروط حجية الأمر المقضى ، فقد يتمسك بالحكم على خصم دون أن يكون هذا طرفا فى الدعوى التى صدر فيها الحكم ، وإذا تمسك بعقد ، فليس من الضرورى أن يكون الخصم طرفا فى هذا العقد . وذلك لأن كلا من الحكم والعقد لا يعتد  به هنا إلا على أنه مجرد قرينة قضائية لا تفيد إلا مجرد احتمالا ، ويجوز دحض دلالته الظنية بقرينة أخرى أقوى منه . ويعتبر الحكم أو العقد هنا واقعة مادية ، تستخلص منه القرينة القضائية دون مراعاة لشروط حجية الأمر المقضى أو حجية العقد .

ولا يجوز أن يكون السند الذى يتمسك به الخصم صادرا منه هو ، فإنه لا يجوز لشخص أن يصنع بنفسه دليلا لنفسه ، فلا يجوز لبلدية أن تتمسك بخط التنظيم الذى أصدرته هى للتدليل على ملكيتها لعقار معين .

ويأتى بعد سند التمليك قرائن أخرى قضائية أقل قوة من سند التمليك . وأهم هذه القرائن المكلفة ، فمن كلف العقار باسمه يستطيع أن يتخذ من ذلك قرينة قضائية على أنه هو المالك() استئناف مختلط 22 يونيه سنة 1948 م 61 ص 77 ) ، إلى أن تدحض هذه القرينة بقرينة أقوى منها . كذلك يعتبر دفع الأموال ( ضرائب الأراضى الزراعية ) والعوايد ( ضرائب المبانى ) قرينة قضائية على أن من يدفع هذه الضرائب هو المالك ، ولكنها قرينة يجوز دحضها هى الأخرى بقرينة أقوى منها .

 وقد تكون حدود العقار وعلامات هذه الحدود القائمة ، أو خريطة فك الزمام () وقد قضت محكمة النقض بألا حجية لخرائط المساحة فى بيان الملكية ، وإنما تعبر فقط عن الواقع المادى ( نقض مدنى 22 ديسمبر سنة 1955 مجموعة المكتب الفنى فى خمسة وعشرين عاما 2 ص 993 ) – والمكلفة وحدها لا تكفى دليلا على الملكية ، ولا الورد المستخلص من المكلفة . والإعلام الشرعى دليل على أنصبة الورثة ، ولكنه ليس دليلا على الملكية ( استئناف مختلط 17 فبراير سنة 1903 م 15 ص 147 – 23 أكتوبر سنة 1917 م 30 ص 7 ) .

ولا تكفى الشهرة العامة دليلا على الملكية ( استئناف مختلط 8 يونيه سنة 1937 م 49 ص 253  ، أو غير  ذلك ، قرائن قضائية على الملكية ، ولكنها كلها بطبيعة الحال يجوز دحضها بقرائن أقوى منها . كذلك يعتبر قرينة قضائية تسجيل سند التمليك . ، وسندات الشركاء على الشيوع (. وتعتبر الحيازة إذا كانت غير مستوفية لشرائطها هى أيضاً قرينة قضائية تدحض بقرينة أقوى ، فتنقلب من قرينة قانونية فيما إذا استوفت شرائطها إلى محض قرينة قضائية فيما إذا لم تستوف هذه الشرائط.

376 – تعارض طرق الإثبات :

 فإذا قدم كل من الخصمين فى دعوى الاستحقاق طرق إثباته ، فتعارضت هذه الطرق ، فهناك طريقان قاطعا الدلالة فى الملكية ، هما كما قدمنا السجل العينى والتقادم المكسب . فمتى استطاع الخصم أن يثبت ملكيته عن طريق السجل العينى ، إذا كان هذا السجل ساريا فى المنطقة التى فيها العقار المتنازع عليه ، كان هو المالك . ووجب الحكم له بالملك إذا كان هو المدعى ، أو وجب رفض دعوى الاستحقاق إذا كان هو المدعى عليه . فإذا لم يكن السجل العينى ساريا ، واستطاع الخصم أن يثبت أنه تملك العقار المتنازع فيه بالتقادم الطويل أو القصير ، كان هو المالك ، ووجب الحكم له بالملكية أو رفض دعوى الاستحقاق بحسب الأحوال .

فإذا لم يكن السجل العينى ساريا ، ولم يستطع الخصم أن يثبت الملكية بالتقادم ، فالصورة المألوفة التى تبقى بعد ذلك أن يكون المدعى عليه فى دعوى الاستحقاق هو الحائز للعقار . فيتمسك بالحيازة قرينة قانونية على أنه هو المالك ، ويلقى على عاتق خصمه عبء دحض هذه القرينة () استئناف مختلط 16 ديسمبر سنة 1909 م 22 ص 57 – 18 مايو سنة 1911 م 23 – ص 230 ) .

فإذا لم يقدم المدعى قرينة أخرى تدحض قرينة الحيازة ، رفضت دعواه ، وبقى الحائز على حيازته .

 أما إذا قدم المدعى قرينة تعارض قرينة الحيازة ، من سند تمليك أو مكلفة أو دفع الضرائب أو غير ذلك ، وقدر القاضى أن القرينة التى قدمها المدعى تدحض قرينة الحيازة ، حكم للمدعى بالملكية ، ونزع العقار من يد الحائز وسلم للمدعى .

فالقرينة التى تدحض قرينة الحيازة ينبغى أن يترك أمر تقديرها إلى القاضى ، فهو الذى يقدر ما إذا كانت الاحتمالات المستمدة من الحيازة أقوى فيرفض دعوى الاستحقاق ، أو أن الاحتمالات المستخلصة من القرائن التى قدمها المدعى هى الأقوى فيقضى له بالملكية () وقد أراد بعض الفقهاء أن يستخلص من ذلك أن الملكية حق نسبى ، فيكون الشخص مالكا بالنسبة إلى شخص معين ، وغير مالك بالنسبة إلى الأشخاص الآخرين (فى إثبات الملكية العقارية عن طريق السند رسالة من باريس سنة 1896 ) . ولكن ذلك لا يستخلص من القضاء الفرنسى ، وكل ما لجأ إليه هذا القضاء هو تحويل محل الإثبات  وهذا أمر مألوف فى نطاق قواعد الإثبات . وقد كان يحسن الوقوف عند هذا الحد ، إلا أن القضاء الفرنسى , وضع قواعد مستقرة فى هذا الصدد ، هى وإن كانت تتفق فى أكثرها مع منطق حق الملكية إلا أن بعضا منها تنقصه المرونة الكافية التى يواجه بها الظروف المختلفة .

ويلاحظ فى شأن هذه القواعد ما يأتى :

( 1 ) أنها قائمة على أساس تحويل الإثبات ، فهى أدلة غير مباشرة ، إذ لا يقع الإثبات فيها على الواقعة ذاتها مصدر الحق ، بل على واقعة أخرى إذا ثبتت أمكن أن تستخلص منها الواقعة المراد إثباتها . وهذا كما قدمنا ضرب من تحويل الإثبات  من محل إلى آخر () أنظر الوسيط 2 فقرة 173 – ص 329 ) ، أى نقل للإثبات من محله الأصلى إلى محل آخر . فالواقعة المراد إثباتها أى سبب كسب الملكية وهو المحل الأصلى ، يزحزح القضاء عنها الإثبات ، ويحوله إلى واقعة أخرى قريبة منها ، فإذا ثبتت هذه الواقعة الأخرى اعتبر القضاء واقعة سبب كسب الملكية ثابتة.

( 2 ) لم يعرض التشريع –لا التقنين المدنى الفرنسى ولا التقنين المدنى المصرى – لشىء من هذه القواعد . وخيراً فعل . ذلك أنه إذا كان يعاب شيء على هذه القواعد ، فهو كما قدمنا فقدها المرونة الكافية فى بعض الحالات . فخير إذن أن تبقى قواعد قضائية يكون التحول عنها حين تضيق بالظروف الخاصة للقضية المختلفة أيسر مما لو كانت قواعد تشريعية() ومع ذلك قارن الأستاذ محمد على عرفة وهو يقول : ” ومن المؤسف حقاً أن يغفل المشرع وضع نظام خاص فثبات الحقوق العينية على غرار ما فعله بالنسبة إلى الحقوق الشخصية ، وألا يتدارك المشرع هذا النقض فى التقنين المدنى الجديد ” ( محمد على عرفة فقرة 179  .

على أن التقنين المدنى المصرى أورد المبادئ الأساسية لهذه القواعد ، ولكن لا فى إثبات الملكية ، بل فى إثبات الحيازة وهو أهون شأنا وأيسر خطبا من الملكية ( ) فقد نصت المادة 959 مدنى ، فى خصوص دعوى استرداد الحيازة والمفاضلة بين حيازتى الخصمين ، على ما يأتى : ” 1 – إذا لم يكن من فقد الحيازة قد انقضت على حيازته سنة وقت فقدها ، فلا يجوز أن يسترد الحيازة إلا من شخص لا يستند إلى حيازة أحق بالتفضيل . والحيازة الأحق بالتفضيل هى الحيازة التى تقوم على سند قانونى . فإذا لم يكن لدى أى من الحائزين سند ، أو تعادلت سنداتهم ، كانت الحيازة الحق هى الأسبق فى التاريخ . 2 – أما إذا كان فقد الحيازة بالقوة ، فللحائز فى جميع الأحوال أن يسترد خلال السنة التالية حيازته من المعتدى ” ) .

( 3 ) إن هذه القواعد القضائية ليست هى عين قواعد الدعوى البوليصية  المعروفة فى القانون الرومانى ، وهى الدعوى التى كان الامبراطور  يعطيها بديلا من دعوى الاستحقاق) وبالرغم من وجود بعض وجوه الشبه ، إلا أن القواعد التى أقرها القضاء الفرنسى تختلف عن الدعوى البوليصية فى أن هذه القواعد لا تشترط وجود سند فى يد الخصم فالحيازة تكفى ، ولا تشترط فى السند أن يكون ناقلا للملكية فيجوز أن يكون كاشفا عن الملكية

وتعنى هذه القواعد القضائية عناية خاصة بسند التمليك  الذى سبق لنا أن عرفناه() أنظر آنفاً فقرة 375 ) ، إذ هى تميز بين صور ثلاث : ( الصورة الأولى ) يوجد سند تمليك عند كل من الخصمين . ( الصورة الثانية ) لا يوجد سند تمليك عند أى من الخصمين . ( الصورة الثالثة ) يوجد سند تمليك عند أحد الخصمين دون الآخر .

377 – الصورة الأولى – يوجد سند تمليك عند كل من الخصمين : فى هذه الصورة الأولى يجب التمييز بين فرضين :

 ( الفرض الأول ) أن يكون سندا تمليك الخصمين صادرين من شخص واحد 

فيتمسك المدعى مثلا بسند بيع صادر من شخص معين ، ويتمسك المدعى عليه ( الحائز ) بسند بيع آخر صادر من نفس هذا الشخص . فى هذا الفرض تكون العبرة بالأسبقية فى التسجيل ، فإذا كان السندان مسجلين فأسبقهما تسجيلا هو الذى يعتد به ويقضى لصالح صاحبه ، وإن كان أحداهما دون الآخر هو المسجل فصاحب السند المسجل هو الذى يقضى لصالحه . أما إذا كان كلا السندين غير مسجل ، فأسبقهما فى التاريخ هو الذى يعتد به ويقضى لصالحه صاحبه(– ويلاحظ أنه لو كان السندان الصدران من شخص واحد هما وصيتان ، فإن صاحب الوصية اللاحقة يفضل على صاحب الوصية السابقة ، لأن الوصية اللاحقة تنسخ الوصية السابقة ( محمد على عرفة فقرة 183 ص 232  .

( الفرض الثانى ) أن يكون السندان صادرين من شخصين مختلفين 

 يتمسك المدعى مثلا بسند بيع صادر له من ( أ ) ، فى حين أن المدعى عليه ( الحائز ) يتمسك بسند بيع صادر له من ( ب ) . ويذهب القضاء الفرنسى فى هذا الفرض إلى التمييز بين حالتين : ( الحالة الأولى ) أن تكون حيازة المعدى عليه غير محققة ، بأن كانت غير واضحة وضوحا كافيا  أو كانت معيبة كأن تكون غامضة .

 ففى هذه الحالة لا يستطيع المدعى عليه أن يرجح المدعى عن طريق الحيازة ، ولا يبقى إلا المفاضلة بين سندى الخصمين .

فالسند الذى تراه المحكمة أقوى دلالة فى الإثبات تقضى لصالح صاحبه . ولا نفضل المحكمة حتما السند الأسبق فى التاريخ  ، ولكن الأسبقية فى التاريخ يعتد بها عاملا من عوامل التفضيل إلى جانب العوامل الأخرى

الحالة الثانية ) أن تكون حيازة المدعى عليه حيازة محققة مستوفية لشرائطه . وتقضى المحكمة فى هذه الحالة لصالح المدعى عليه وترفض دعوى الاستحقاق . لأن كلا من الخصمين قد سندا يعادل السند الذى قدمه الخصم الآخر ، فيتهاتر السندان ، ويبقى المدعى عليه راجحا بحيازته المحققة .

 ويستوى فى ذلك أن يكون سند المدعى عليه سابقا فى التاريخ على سند المدعى أو متأخراً عنه ، كما يستوى أن تكون حيازة المدعى عليه سابقة فى التاريخ على سند المدعى أو متأخرة عنه . على أن لهذه القاعدة استثناء واحدا . هو أن يثبت المدعى أن سلفه الذى تلقى منه السند كان يفوز على السلف الذى تلقى منه الحائز سنده لو أن دعوى استحقاق أقامها أحداهما على الآخر . فعندئذ يكون سلف المدعى ملكيته راجحة على ملكية سلف الحائز ، وقد تلقى المدعى هذه الملكية الراجحة بموجب سنده ، فيقضى له باستحقاق العقار.

378 – الصورة الثانية – لا يوجد سند تمليك عند أى من الخصمين : وهنا أيضاً يجب التمييز بين فرضين :

( الفرض الأول ) أن تكون حيازة المدعى عليه حيازة قانونية مستوفية لشرائطها ، فتقوم هذه الحيازة قرينة على الملكية لم يدحضها سند تمليك من المدعى ، فيقضى لصالح المدعى عليه وترفض دعوى الاستحقاق . وقد يكون الحائز هو المدعى ، وقد رفع دعوى الاستحقاق على المتعرض له فى الملكية كما يقع ذلك فى بعض الأحيان () أنظر آنفاً فقرة 368 ) . فإذا كانت حيازته حيازة قانونية مستوفية لشرائطها ، قامت كذلك قرينة على الملكية لم يدحضها سند تمليك من المدعى عليه ، فيقضى لصالح المدعى باستحقاق العقار

( الفرض الثانى ) أن تكون حيازة المدعى عليه ( أو حيازة المدعى ) حيازة غير مستوفية لشرائطها ، فلا تكون الحيازة فى هذا الفرض قرينة على الملكية . ومن ثم يفاضل القاضى بين القرائن التى يقدمها كل من الخصمين () وقد قضت محكمة النقض بأن المفاضلة بين سندات الملكية التى يعتمد عليها أحد طرفى النزاع وبين سندات ملكية الطرف الآخر والتى صدرت لإثبات تصرفات قانونية هى من المسائل القانونية التى يتعين على المحكمة أن تقول كلمتها فيها . فإذا كان الحكم قد أغفل التعرض لبحث هذه المستندات والمفاضلة بينها ، فإنه يكون مشوبا بالقصور فى التسبيب . ولا يغنى عن ذلك اعتماد المحكمة فى هذا الخصوص على ما ورد بتقرير الخبير المنتدب لإثبات الواقع فى الدعوى وتطبيق مستندات الطرفين على الطبيعة ( نقض مدنى 24 يناير سنة 1957 مجموعة أحكام النقض 8 ص 74 .

أما المفاضلة ذاتها وتقدير أى السندات هى الأفضل ، فهذه مسألة موضوعية لا رقابة عليها لمحكمة النقض) . فإذا قدم كل منهما قرينة الحياة غير المستوفية لشرائطها ، بأن حاز كل منهما العقار على التوالى ، فاضل القاضى بين الحيازتين واختار الحيازة الأفضل وقضى لصاحبها ، فرفض دعوى الاستحقاق أو قضى بالملكية للمدعى بحسب الأحوال () استئناف مختلط 22 مارس سنة 1932 م 44 ص 239.

وقد يقدم أحد الخصمين قرينة الحيازة غير المستوفية للشرائط ، ويقدم الخصم الآخر قرائن أخرى كالقيد فى سجل المكلفة  أو دفع الضرائب عن العقار المتنازع فيه أو وجود حد ظاهر المعالم للعقار المتنازع فيه  أو غير ذلك من القرائن . بل قدي قدم أحد الخصمين الحيازة وبعض هذه القرائن ، ويقدم الخصم الآخر الحيازة أيضاً بدون أو مع هذه القرائن كلها أو بعضها .

 ففى جميع هذه الأحوال يفاضل القاضى دائما بين قرائن المدعى وقرائن المدعى عليه ، ويقدر أى القرائن أرجح من الأخرى  فيحكم لصاحب القرائن الأرجح ، وتقديره هذا تقدير موضوعى لا رقابة لمحكمة النقض عليه .

وجملة القول فى هذه الصورة الثانية أن صاحب الحيازة القانونية المستوفية لشرائطها ، أو فى القليل صاحب الحيازة الأفضل إذا لم تكن الحيازة مستوفية لشرائطها أو صاحب القرائن الأرجح ، هو الذى يقضى لصالحه.

379 – الصورة الثالثة – يوجد سند تمليك عند أحد الخصمين دون الآخر :

 فإذا كان من عنده سند التمليك هو المدعى عليه الحائز للعقار ، قضى لصالحه ورفضت دعوى الاستحقاق ، لأن المدعى عليه يكون قد جمع فى هذه الحالة بين الحيازة وسند التمليك .

 أما إذا كان من عنده سند التمليك هو المدعى ، فإنه يقضى لصالحه بالملكية (  استئناف مختلط 2 يونيه سنة 1898 م 10 ص 306 ) . بشرط أن يكون سند تمليكه سابقا على حيازة المدعى عليه ( ) وذلك لأنه توجد قرينة ، ما دام سند التمليك سابقا على الحيازة ، أن الحيازة وقت صدور سند التمليك كانت عند من صدر منه هذا السند ، ثم اغتصبت منه . فإن لم يكن سند تمليك المدعى سابقا وكانت حيازة المدعى عليه هى السابقة ، فاضل القاضى بين الخصمين تبعا لظروف كل قضية

وهذا وإذا قدم المدعى ، فى أية صورة من الصور الثلاث المتقدم ذكرها ، قرائن أقوى ، كان للمدعى عليه أن يدفع الاستحقاق بالدفوع السائغة ، كالدفع بالتملك بالتقادم أو الدفع بضمان الاستحقاق أو الدفع بقوة الأمر المقضى .

380 – نظرية تقديرية للقضاء الفرنسى :

 يمكن الأخذ بكثير من القواعد التى قررها القضاء الفرنسى فى إثبات حق الملكية ، فهذه القواعد تستجيب فى مجموعها لطبائع الأشياء ، وتوفق ما بين تعذر الإثبات المطلق لحق الملكية إذا لم يوجد نظام للسجل العينى وبين ضرورة إيجاد طرق للإثبات تقرب من الواقع بقدر المستطاع .

على أن القضاء الفرنسى فى القواعد التى قررها سارشوطا بعيداً فى التحديد والترتيب والتمييز الدقيق ما بين حالة وأخرى ، ففقد فى بعض هذه القواعد المرونة الكافية لمواجهة الحالات المختلفة بالظروف الخاصة لكل حالة منها .

من ذلك مثلا القاعدة التى تقضى بأنه إذا وجد سند تمليك عند كل من الخصمين فإن السندين يتهاتران ، فهذه القاعدة قد تكون سليمة فى أكثر الأحوال ، ولكنها على إطلاقها قد لا تكون سليمة فى بعض الأحوال .

 وقد كان القضاء الفرنسى فعلا ، قبل أن ينتهى إلى هذه القاعدة ، يقرر أن السند الأسبق فى التاريخ هو الذى يرجح ، ثم عدل عن ذلك إلى القاعدة التى نحن بصددها . وكان الأولى ترك القاضى حراً فى تقدير أى السندين يرجح ، تبعا لما يستخلصه من ظروف كل قضية .

ومن ذلك أيضاً الاستثناء الذى يقضى بأنه عند وجود سند عند كل من الخصمين ، يجب تفضيل المدعى إذا هو أثبتت أن سلفه الذى تلقى منه السند كان يفوز على السلف الذى تلقى منه الحائز سنده لو أن  دعوى استحقاق أقامها أحدهما على الآخر . فهذا أيضاً استثناء يقوم على محض افتراض ، إذ كيف نعرف أن سلف المدعى كان يفوز على سلف الحائز إذا لم تقم بينهما دعوى استحقاق بالفعل ، وكيف تضحى الحيازة القائمة فعلا وهى أمر محقق لمجرد افتراض يتعذر فيه الوقوف عند حقيقة ثابتة! كذلك القاعدة التى تقضى بأنه إذا وجد سند عند المدعى وحده ، وكان سنده سابقا على حيازة المدعى عليه ، فإن المدعى هو الذى يفضل . فهى قاعدة لا تنطوى على مرونة كافية تجعلها قاعدة عادلة فى جميع الأحوال

والأولى ، فى إثبات حق الملكية ، أن نقف فى بادئ الأمر عند الحيازة . فإذا استوفت هذه الحيازة شرائطها القانونية كان الحائز هو المالك ، ما لم يدحض خصمه قرينة الحيازة بقرينة أقوى ، ويترك ذلك لتقدير القاضى . فإذا لم تتوافر الحيازة المستوفية لشرائطها لأى من الخصمين ، جاز التمسك بالحيازة الفعلية ، على أن تكون محض قرينة قضائية تدحضها قرائن قضائية أقوى منها . فالواجب إذن الوقف عند الحيازة ، إلا أن ترجحها حيازة أفضل أو تدحضها قرائن قضائية أقوى ، وعند تعارض القرائن ، يترك الأمر لتقدير القاضى فى ترجيح قرينة على أخرى بحسب ظروف كل قضية

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *